السبت، 7 أكتوبر 2017

رد الدكتور عبد الكريم جبل على الكاتب خالد منتصر








(جامعة طنطا) وليست (صالة الأحباب لحفلات أفراح الطلاب)
قراءة في مقالة (د.خالد منتصر) عن جامعة طنطا (وغيرها)







أ. د. عبد الكريم محمد جبل




تضمَّنتْ صحيفة «الوطن» اليومية الصادرة يوم الخميس (5/10/2017م)، في صفحتها الخامسة، مقالةً للطبيب «خالد منتصر» بعنوان «انتفضنا لاختلاس قُبْلة وامتعضنا لاختلاس عقل»، (انتصب) فيها قلم سيادته منافحًا عما حدث بين طالب وطالبة في حرم جامعة طنطا على مشهد من زملائهما، ومهاجمًا ردّ فعل إدارة الجامعة إزاء هذه المهزلة الأخلاقية غير المسبوقة، ومهاجمًا الجامعات المصرية والسادة أعضاء هيئات التدريس بها بوجه عام.




وقد حشا سيادته مقالته تلك بركام من «تُرَّهات البسابِس» التي يُغبَط على قدرته على (حَصْرها) معًا في (مثانة) واحدة: فمن عموميات جزافية، وإساءة أدب، ومكاشفات صوفية، إلى مغالطات فِجّة (بكسر الفاء)، وافتراضات عبثية، واستحضار ساخر لأثر إسلامي ثابت، ثم انتهاءً بـ«حل بديل» تتقاصر دون الوصول إليه عبقريات فقهاء القانون والتربية. ودونك أيها القارئ الكريم المُبتَلى بقراءة مثل هذه الترهات بيانًا بما أجملتُه:






• فمن العموميات الجزافية التي اختلط فيها العامّ بالخاص، قولُ سيادته – وما بين قوسين مربعين هو من كلامي: «المجتمع [المصري] غارق حتى أذنيه في الفساد الأخلاقي»، وقوله: «الجامعات صارت بِرَكًا آسنة [أي: منتنة] من الدكتوراهات المزيَّفة»، وقوله: «مجتمع علَّمنا أنِ افْعَلْ في السِّرّ تَنجْو [هكذا بالواو، والصواب حَذْفها (تنجُ)]، ونافقْ في العلن تصير [هكذا بالياء، والصواب حَذْفُها (تَصِرْ)] مرضيًّا عنك»، وقوله عن مجتمع المصريين إنه لا يهتز لمن يأكلون من أكوام القمامة، ولكنه «يصاب بالهستيريا إذا شاهد لمسة يد بريئة على الكورنيش».
وهكذا يشرِّق سيادته ويغرِّب، ويخلط العامَّ بالخاص، غافلًا – أو متغافلًا – عن تجذُّر القيم الدينية السمحة في الشخصية المصرية، ونفورها مما يصادمها، نفورًا طبيعيًا لا (هستيريا)، وغافلًا- أو متغافلًا- عن أن«الأضداد الأخلاقية»توجد في كل مجتمع، وفي كل زمان ومكان، وغافلًا- أو متغافلًا- عن احتشاد الجامعات المصرية بالآلاف من العلماء الجادّين الشرفاء، وغافلًا – أو متغافلًا – عن مبادرات التكافل الاجتماعي التي يسارع إليها عموم المصريين الموسرين، حين يتثبتون من مصداقية القائمين عليها.






ثم ما شأن كل هذا «الركام» من العموميات غير العلمية بحادثة خاصة تمثل مخالفة (قانونية) صريحة؛ تستوجب أن يُحاسَب عليها مرتكبها، وأن يوقَّع عليه العقاب التأديبي الذي ينص عليه القانون، إذا ثبتت إدانته؟!






• وأما إساءة الأدب والتعريض – بالضاد المنقوطة-، فمن أمثلته قوله عن أساتذة الجامعات إنهم «شيوخ منصر»، وقوله عن رؤساء الجامعات إنهم قد«صاروا مطوعين بعد أن انتهى عصر المطوعين» [المطوع كلمة شائعة في بعض دول الخليج – وخاصة السعودية- للتعبير عن «الواعظ»]، وعن عمداء الكليات إنهم قد أصبحوا «هيئة أمر بالمعروف». وفي هذا وما سبقه تعريضٌ ساخر بهيئات ارتضتها دول عربية شقيقة للقيام بمهام معيَّنة، وكلٌّ حُرٌّ فيما يرتضيه، ما دام لم يفرضه على الآخرين.






• وأما المكاشَفات الصوفية التي لا تتأتَّى إلا للعارفين بالله بعد طول صبر ومجاهدات روحية، فتتمثّل في أن سيادته قد كُوشف بما دار في قلب رئيس الجامعة وعقله حين أصدر قراره بتحويل الطلاب للتحقيق، وذلكم هو«... أنا أخلاقيّ... أنا أكثر منكم تديُّنًا... أنا ستين عتريس في بعض»!!! وكأنه كان من المفترض إزاء ما حدث أن يقوم رئيس الجامعة والسادة العمداء بحمل المشاعل والأبخرة، متحلِّقين حول العروسين، في زيٍّ موحَّد، رافعين أصواتهم بأغنية «يا دبلة الخطوبة ...»؛ ابتهاجًا بهما في (حرم) الجامعة!!!






• وأما المغالطات الفِجَّة، فمنها قول سيادته: «مسموح بسرقة عقل، ومباحٌ سرقة جُهْد الآخَرين...». وأسائل سيادته: من أين أتيتَ- لا جَفّ مِدادُ قلمك (المنتصب) – بهذا «السماح»، وذلك «المباح»؟ ألم يبلغك تحويل المدَّعَى عليهم بالسرقات العلمية إلى «مجالس تأديب»؟وتلك هي الآلية التي ينص عليها «قانون تنظيم الجامعات»، بعد انتهاء التحقيقات الأولية. ثم ألم يبلغك قرارات «عزل» بعض أعضاء هيئات التدريس – وهم قِلّة – بعد ثبوت اتهامهم بالسرقة العلمية في مجالس التأديب بالجامعات المصرية المختلفة؟!






• وأما الاستحضار الساخر لبعض ما ورد في الأثر الإسلامي الشريف الثابت في صحيح السنة النبوية، فيتمثل في قول سيادته عن رئيس الجامعة: «... خرج علينا صارخًا: هاهو عرش الرحمن قد اهتزّ لتلك الفعلة الشنعاء، والحضن الفاسق الفاجر...»!!!






• وأما الافتراضات العبثية، فكقول سيادته: «نفس الطالب من الممكن أن يتبوّل على حائط الكلية بكل أمان... لكنه لا يستطيع أن يُحِبّ... فالعيون لا تراقب مثانات الطلبة، ولكن تراقب قلوبهم»!!!
ما هذا العبث؟ هل تأسس ردّ فعل إدارة الجامعة إزاء هؤلاء الطلاب على مراقبة ما دار في قلوبهم؟ أهي مكاشفة صوفية أخرى؟! أم تُرَى أن ما حدث لم يكن مشهدًا حسيًّا واقعيًا تدركه الأبصار، وتعيه الآذان، وكان مشهدًا روحيًا بتقنية الاستشعار عن بعد؟!!!






• وأما الحل البديل (العبقريّ)، فيطرحه علينا النِّطاسيّ البارع في أحشاء مقالته القولونية حلًّا رائعًا رائقًا (حُنَيِّنًا) بديلاً عن المحاسبة التأديبية (الإجرامية في نظره) لهؤلاء الطلاب... حلًّا لا يخلو كذلك من (أحضان)، يقول سيادته مثرِّبًا على رئيس الجامعة إنه «لم يحتضن طلبته، ويتصرف معهم تربويًّا، ويتفهَّم هذه السِّن الحرِجة»!!!!!






فيا أيها الزملاء الأعزاء من أعضاء هيئة التدريس: إذا رأيتم مثل ذلك – أو ما هو فوقه أو دونه - في إحدى قاعات الدرس،أو المعامل، أو على السلم... إلخ، فإياكم وأن تتخذوا إجراءً لمحاسبة من تورطوا في ذلك، بل عليكم أن تحتضنوهم (احتضانًا تربويًا بالطبع). ويا فقهاء القانون سارعوا إلى تغيير عنوان بند العقوبات التأديبية بقانون تنظيم الجامعات ليصير بعنوان «الاحتضانات التربوية في لقاءات الحُبّ الجامعية»!!






وأقول أخيرًا للسيد الطبيب خالد المنتصر (والمنتصب) دفاعًا عما حدث: إن ما حدث في حرم الجامعة يمثل مخالفة (قانونية) صريحة، استوجب مرتكبها المحاسبة، فما وجه تقزُّزكم من ذلك؟ وتُرَى ماذا تكــون تَبِعة التساهل في التعامل مع هذه (الحادثة)؟ ألم يكن في هذا التساهل – بفرض حدوثه- فتح لأبواب واسعة من التسيّب الأخلاقي الذي لا يقره شرع سماوي ولاقانون مدني؟ ألم يكن في هذا التساهل – بفرض حدوثه- إذكاءٌ لجَذوة التطرف في الجانب الآخر الذي يكابد وطننا الويلات من جرّائه كل يوم؟ أتجيز جامعات العالم المتقدم مثل ذلك في باحاتها؟ أليس لكل مقام مقال؟ وماذا لو أن هذه [الحفلة] نُظمت في قاعة محكمة على مرأ ى ومسمع من السادة القضاة؟!






حفظ الله جامعات مصر التي تحتشد بالآلاف من العلماء الجادّين الشرفاء، وأعانها على حسن القيام بواجباتها التعليمية والتربوية، بالرغم من شراسة التحديات والصعوبات التي يكابدها عموم أعضاء هيئات التدريس بها، مما لا أظنه يخفى على كاتب هذا المقال. وأدام الله على وطننا تديُّنه المعتدل السمح، ونفوره الطبيعي مما يصادمه، ولا قامت لمثل هذا النعيب قائمة... وعند الصباح يحمد القومُ السُّرَى.