السبت، 7 أكتوبر 2017

رد الدكتور عبد الكريم جبل على الكاتب خالد منتصر








(جامعة طنطا) وليست (صالة الأحباب لحفلات أفراح الطلاب)
قراءة في مقالة (د.خالد منتصر) عن جامعة طنطا (وغيرها)







أ. د. عبد الكريم محمد جبل




تضمَّنتْ صحيفة «الوطن» اليومية الصادرة يوم الخميس (5/10/2017م)، في صفحتها الخامسة، مقالةً للطبيب «خالد منتصر» بعنوان «انتفضنا لاختلاس قُبْلة وامتعضنا لاختلاس عقل»، (انتصب) فيها قلم سيادته منافحًا عما حدث بين طالب وطالبة في حرم جامعة طنطا على مشهد من زملائهما، ومهاجمًا ردّ فعل إدارة الجامعة إزاء هذه المهزلة الأخلاقية غير المسبوقة، ومهاجمًا الجامعات المصرية والسادة أعضاء هيئات التدريس بها بوجه عام.




وقد حشا سيادته مقالته تلك بركام من «تُرَّهات البسابِس» التي يُغبَط على قدرته على (حَصْرها) معًا في (مثانة) واحدة: فمن عموميات جزافية، وإساءة أدب، ومكاشفات صوفية، إلى مغالطات فِجّة (بكسر الفاء)، وافتراضات عبثية، واستحضار ساخر لأثر إسلامي ثابت، ثم انتهاءً بـ«حل بديل» تتقاصر دون الوصول إليه عبقريات فقهاء القانون والتربية. ودونك أيها القارئ الكريم المُبتَلى بقراءة مثل هذه الترهات بيانًا بما أجملتُه:






• فمن العموميات الجزافية التي اختلط فيها العامّ بالخاص، قولُ سيادته – وما بين قوسين مربعين هو من كلامي: «المجتمع [المصري] غارق حتى أذنيه في الفساد الأخلاقي»، وقوله: «الجامعات صارت بِرَكًا آسنة [أي: منتنة] من الدكتوراهات المزيَّفة»، وقوله: «مجتمع علَّمنا أنِ افْعَلْ في السِّرّ تَنجْو [هكذا بالواو، والصواب حَذْفها (تنجُ)]، ونافقْ في العلن تصير [هكذا بالياء، والصواب حَذْفُها (تَصِرْ)] مرضيًّا عنك»، وقوله عن مجتمع المصريين إنه لا يهتز لمن يأكلون من أكوام القمامة، ولكنه «يصاب بالهستيريا إذا شاهد لمسة يد بريئة على الكورنيش».
وهكذا يشرِّق سيادته ويغرِّب، ويخلط العامَّ بالخاص، غافلًا – أو متغافلًا – عن تجذُّر القيم الدينية السمحة في الشخصية المصرية، ونفورها مما يصادمها، نفورًا طبيعيًا لا (هستيريا)، وغافلًا- أو متغافلًا- عن أن«الأضداد الأخلاقية»توجد في كل مجتمع، وفي كل زمان ومكان، وغافلًا- أو متغافلًا- عن احتشاد الجامعات المصرية بالآلاف من العلماء الجادّين الشرفاء، وغافلًا – أو متغافلًا – عن مبادرات التكافل الاجتماعي التي يسارع إليها عموم المصريين الموسرين، حين يتثبتون من مصداقية القائمين عليها.






ثم ما شأن كل هذا «الركام» من العموميات غير العلمية بحادثة خاصة تمثل مخالفة (قانونية) صريحة؛ تستوجب أن يُحاسَب عليها مرتكبها، وأن يوقَّع عليه العقاب التأديبي الذي ينص عليه القانون، إذا ثبتت إدانته؟!






• وأما إساءة الأدب والتعريض – بالضاد المنقوطة-، فمن أمثلته قوله عن أساتذة الجامعات إنهم «شيوخ منصر»، وقوله عن رؤساء الجامعات إنهم قد«صاروا مطوعين بعد أن انتهى عصر المطوعين» [المطوع كلمة شائعة في بعض دول الخليج – وخاصة السعودية- للتعبير عن «الواعظ»]، وعن عمداء الكليات إنهم قد أصبحوا «هيئة أمر بالمعروف». وفي هذا وما سبقه تعريضٌ ساخر بهيئات ارتضتها دول عربية شقيقة للقيام بمهام معيَّنة، وكلٌّ حُرٌّ فيما يرتضيه، ما دام لم يفرضه على الآخرين.






• وأما المكاشَفات الصوفية التي لا تتأتَّى إلا للعارفين بالله بعد طول صبر ومجاهدات روحية، فتتمثّل في أن سيادته قد كُوشف بما دار في قلب رئيس الجامعة وعقله حين أصدر قراره بتحويل الطلاب للتحقيق، وذلكم هو«... أنا أخلاقيّ... أنا أكثر منكم تديُّنًا... أنا ستين عتريس في بعض»!!! وكأنه كان من المفترض إزاء ما حدث أن يقوم رئيس الجامعة والسادة العمداء بحمل المشاعل والأبخرة، متحلِّقين حول العروسين، في زيٍّ موحَّد، رافعين أصواتهم بأغنية «يا دبلة الخطوبة ...»؛ ابتهاجًا بهما في (حرم) الجامعة!!!






• وأما المغالطات الفِجَّة، فمنها قول سيادته: «مسموح بسرقة عقل، ومباحٌ سرقة جُهْد الآخَرين...». وأسائل سيادته: من أين أتيتَ- لا جَفّ مِدادُ قلمك (المنتصب) – بهذا «السماح»، وذلك «المباح»؟ ألم يبلغك تحويل المدَّعَى عليهم بالسرقات العلمية إلى «مجالس تأديب»؟وتلك هي الآلية التي ينص عليها «قانون تنظيم الجامعات»، بعد انتهاء التحقيقات الأولية. ثم ألم يبلغك قرارات «عزل» بعض أعضاء هيئات التدريس – وهم قِلّة – بعد ثبوت اتهامهم بالسرقة العلمية في مجالس التأديب بالجامعات المصرية المختلفة؟!






• وأما الاستحضار الساخر لبعض ما ورد في الأثر الإسلامي الشريف الثابت في صحيح السنة النبوية، فيتمثل في قول سيادته عن رئيس الجامعة: «... خرج علينا صارخًا: هاهو عرش الرحمن قد اهتزّ لتلك الفعلة الشنعاء، والحضن الفاسق الفاجر...»!!!






• وأما الافتراضات العبثية، فكقول سيادته: «نفس الطالب من الممكن أن يتبوّل على حائط الكلية بكل أمان... لكنه لا يستطيع أن يُحِبّ... فالعيون لا تراقب مثانات الطلبة، ولكن تراقب قلوبهم»!!!
ما هذا العبث؟ هل تأسس ردّ فعل إدارة الجامعة إزاء هؤلاء الطلاب على مراقبة ما دار في قلوبهم؟ أهي مكاشفة صوفية أخرى؟! أم تُرَى أن ما حدث لم يكن مشهدًا حسيًّا واقعيًا تدركه الأبصار، وتعيه الآذان، وكان مشهدًا روحيًا بتقنية الاستشعار عن بعد؟!!!






• وأما الحل البديل (العبقريّ)، فيطرحه علينا النِّطاسيّ البارع في أحشاء مقالته القولونية حلًّا رائعًا رائقًا (حُنَيِّنًا) بديلاً عن المحاسبة التأديبية (الإجرامية في نظره) لهؤلاء الطلاب... حلًّا لا يخلو كذلك من (أحضان)، يقول سيادته مثرِّبًا على رئيس الجامعة إنه «لم يحتضن طلبته، ويتصرف معهم تربويًّا، ويتفهَّم هذه السِّن الحرِجة»!!!!!






فيا أيها الزملاء الأعزاء من أعضاء هيئة التدريس: إذا رأيتم مثل ذلك – أو ما هو فوقه أو دونه - في إحدى قاعات الدرس،أو المعامل، أو على السلم... إلخ، فإياكم وأن تتخذوا إجراءً لمحاسبة من تورطوا في ذلك، بل عليكم أن تحتضنوهم (احتضانًا تربويًا بالطبع). ويا فقهاء القانون سارعوا إلى تغيير عنوان بند العقوبات التأديبية بقانون تنظيم الجامعات ليصير بعنوان «الاحتضانات التربوية في لقاءات الحُبّ الجامعية»!!






وأقول أخيرًا للسيد الطبيب خالد المنتصر (والمنتصب) دفاعًا عما حدث: إن ما حدث في حرم الجامعة يمثل مخالفة (قانونية) صريحة، استوجب مرتكبها المحاسبة، فما وجه تقزُّزكم من ذلك؟ وتُرَى ماذا تكــون تَبِعة التساهل في التعامل مع هذه (الحادثة)؟ ألم يكن في هذا التساهل – بفرض حدوثه- فتح لأبواب واسعة من التسيّب الأخلاقي الذي لا يقره شرع سماوي ولاقانون مدني؟ ألم يكن في هذا التساهل – بفرض حدوثه- إذكاءٌ لجَذوة التطرف في الجانب الآخر الذي يكابد وطننا الويلات من جرّائه كل يوم؟ أتجيز جامعات العالم المتقدم مثل ذلك في باحاتها؟ أليس لكل مقام مقال؟ وماذا لو أن هذه [الحفلة] نُظمت في قاعة محكمة على مرأ ى ومسمع من السادة القضاة؟!






حفظ الله جامعات مصر التي تحتشد بالآلاف من العلماء الجادّين الشرفاء، وأعانها على حسن القيام بواجباتها التعليمية والتربوية، بالرغم من شراسة التحديات والصعوبات التي يكابدها عموم أعضاء هيئات التدريس بها، مما لا أظنه يخفى على كاتب هذا المقال. وأدام الله على وطننا تديُّنه المعتدل السمح، ونفوره الطبيعي مما يصادمه، ولا قامت لمثل هذا النعيب قائمة... وعند الصباح يحمد القومُ السُّرَى.

السبت، 4 مارس 2017

العلامة اللغوي أ. د. محمد حسن جبل








إطلالة على سيرته الشخصية ومساره التعليمي:


ولد- طيَّب الله ثراه- في (10/3/1931) بقرية "تيدة" التابعة لمركز"سيدى سالم"، بمحافظة كفر الشيخ. لأبوين صالحين، حيث كان أبوه (الشيخ حسن حسن رزق جبل) يعمل مدرسًا ومحفظًا للقرآن الكريم بمدرسة قرية "تيدة". وكان من كبار السادة الصوفية الشاذلية فى تلك الجهة، وينتهي نسبه الأدنى إلى سيدى "محمد الشنّاب" الذي يقع مقامه بقرية "نوسا البحر/ الغيط". بمركز "أجا" (محافظة الدقهلية).


وقد أتم العلامة أ. د. محمد حسن جبل حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة. ثم التحق بمعهد دسوق الديني الأزهري، حيث أتم به الدراسة الابتدائية (تسمى الإعدادية حاليًا) في مايو 1947م. ثم انتقل إلى مدينة طنطا، ليلتحق بالمعهد الأحمدي، حيث أتمّ دراسته الثانوية – وكانت مدتها خمس سنوات – في مايو 1952م.


وقد حصل في الوقت نفسه تقريبًا – وعن طريق الدراسة المنزلية – على ما كان يسمى شهادة الثقافة (1952م)، ثم ما كان يسمى بـ"التوجيهية"- وهي الثانوية العامة الآن" – في (1953).


ثم التحق بكلية اللغة العربية بالقاهرة، وكانت تحتشد بالأكابر من أهل العلم والفضل الذين درّسوا له، ليحصل منها على الشهادة العالية في مايو (1956م) بمجموع درجات يساوى تقدير "جيد جدًا".


وفي الوقت نفسه، تقريبًا، التحق بكلية الآداب- وقد أهله للالتحاق بها حصوله على الثانوية العامة كما سبق ذكره- قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، وحصل منها على درجة الليسانس فى مايو (1957م)، بتقدير "جيد".


وأعقب ذلك حصوله على دبلوم عام في التربية من جامعة عين شمس (1956م) ثم حصوله لاحقًا على دبلوم خاص في التربية من الجامعة نفسها في (19655م)


ثم شاء الله تعالى له أن يغير مساره التعليمي التربوي، فيلتحق فى (1965م) بكلية اللغة العربية بالقاهرة للحصول على درجة الماجستير في أصول اللغة. وكان نظام الدراسة للحصول على هذه الدرجة، آنذاك، هو دراسة سنتين، بامتحان في نهاية كل سنة، ثم بتقديم بحث (= رسالة صغيرة) في نهاية السنة الثانية، يناقش مناقشة علمية. وقد وفقه الله تعالى للحصول على هذه الدرجة في (1967م).


ثم واصل دراسته في الكلية نفسها، ليحصل منها على درجة الدكتوراه- بعد تسع سنوات من العمل الدءوب- في تخصص أصول اللغة (= فقه اللغة/ علم اللغة)، في (1976م). وكان عنوان رسالته: "أصول معاني ألفاظ القرآن الكريم"، بإشراف أ. د. إبراهيم نجا، ومناقشة كل من أ.د.إبراهيم بسيوني (كلية اللغة العربية بالقاهرة)، وأ. د. عبد الصبور شاهين (كلية دار العلوم- جامعة القاهرة) رحمهم الله أجمعين.


الوظائف التي عمل بها:


- بحصوله على الشهادة العالية(1956م)، وعلى الدبلوم العام في التربية، عُيَّن – برّد الله ثراه- مدرسًا للغة العربية بمدارس وزارة التربية والتعليم (إعدادي – ثانوي – فني- معلمين) بدءًا من (22/10/1957م) حتى (6/9/1977م) (أي مدة عشرين عامًا تقريبًا).


- في أثناء عمله بوزارة التربية والتعليم أُعير مرتين: الأولى: إلى دولة "سيراليون"- بغرب أفريقيا- في المدة من أبريل 1961م، حتى سبتمبر 1964م. وقد درّس فيها مواد اللغة العربية والدين الإسلامي بمدارس ابتدائية، ثم ثانوية، كان لجهوده – وجهود زميل آخر معه- الفضل في إنشائها. وحصل على خطاب شكر من وزارة التربية والتعليم، لجهوده في تعليم العربية والإسلام في تلك الدولة النائية.


الثانية: إلى دولة "نيجيريا"، بدءًا من نوفمبر (1972م) حتى (1975م)، حيث درّس علوم العربية والإسلام بكلية "الآداب والعلوم العربية"، بمدينة "سُكُتو"، بشمال نيجيريا.


- بعد حصوله على درجة الدكتوراه، في أبريل (1976م)، عُيَّن مدرسًا لأصول اللغة، بكلية اللغة العربية بالمنصورة. وتسلم عمله فيها في (7/9/1977م).


- ترقّى في السلم الأكاديمي (والإداري) الجامعي بعد ذلك: فحصل على لقب "أستاذ مساعد" في (1982م)، ثم على لقب "أستاذ" في (1988م)، ثم عُيَّن وكيلاً، فعميدًا للكلية لمدة ثماني سنوات متصلة، بدءًا من (1988م) حتى (1996م). ثم عُيَّن "أستاذًا متفرغًا" بالكلية نفسها من (1996م) حتى (2001م).


- ثم انتقل انتقالة مباركة إلى كلية القرآن الكريم، بطنطا، ليعمل بها من (2001م) حتى انتقاله إلى جوار ربه في (24/3/2015م)؛ فكان انتقاله إلى هذه الكلية المباركة أحد أهم أسباب تثبيت دعائمها.


- خلال عمله بكلية اللغة العربية بالمنصورة، أعير لمدة أربع سنوات (1984- 1988م) إلى كلية اللغة العربية (جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية)، حيث ترك بها أثرًا طيبًا، وربي فيها جيلاً من الباحثين، ما زالوا يذكرونه بكل خير حتى الآن.


النتاج العلمي:


بارك الله في النتاج العلمي للعلاّمة أ. د. محمد حسن جبل، كفاء جِدّه وإخلاصه التامين، فخلّف نتاجًا بالغ النفاسة يمثل كل عمل فيه معلمًا من معالم التأليف في بابه، في عصرنا هذا، ولعصور قادمة، إن شاء الله. وقد توزع نتاجه الدراسات اللغوية، ثم الدراسات القرآنية.


من أعماله اللغوية:


- كتاب "المختصر في أصوات اللغة العربية" الذي حرّر فيه مخارج أصوات العربية، وصفاتها، وحلّ عضال الأصوات المشكلة (الضاد- القاف- الطاء) ... إلخ.


- كتاب "المعنى اللغوي" الذي أصّل فيه لنظرية عربية في "المعنى"، تقف شامخة أمام سائر النظريات الأوربية، مع نقده لهذه الأخيرة نقدًا علميًا موضوعيًا.


- كتابه "علم الاشتقاق" ففيه وضع شبه كامل لحدود هذا العلم، ومسائله، وتقسيماته مما لم يسبق إليه، بحيث صارت بعض مباحث هذا (العلم) مقترنة الاقتران كله باسم أ. د. محمد جبل. - كتابه "علم فقه اللغة" تأصيل لهذا العلم، ومباحثه، كذلك، ودرء لشبهة النظر إليه على أنه "فن" لا "علم".


- كتابه "الاستدراك على المعاجم العربية" استدراك غير مسبوق على أكبر معجمين عربيين (لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي).


وأما مؤلفاته المتعلقة بالوحي الأقدس، فمنها:


- كتابه "وثاقة نقل النص القرآني من رسول الله إلى أمته" الذي عيَّن فيه عددًا من الصحابة الذين عرضوا القرآن الكريم على النبي الأكرم، ممن لم يذكروا في هذا الصدد من قبل، وحدّد صور تبليغ النبي الأكرم القرآن الكريم لأصحابه شفهيًا... إلخ.


- كتابه "التلقي والأداء في القراءات القرآنية" الذي حرّر فيه بعض مصطلحات هذا الفرع المعرفي، وحرَّر المشكلات الخاصة بأداء بعض الأصوات ... إلخ،


- كتابه "الرد على المستشرق اليهودي جولد تسيهر في مطاعنه على القراءات القرآنية" وفيه ردّ علمي موضوعي على هذه المطاعن.


كتابه "القضية القرآنية الكبرى: حديث نزول القرآن على سبعة أحرف". وقد وفّقه الله تعالى- فى هذا الكتاب- لوضع تفسير علمي رصين مؤصل لهذا الحديث الذي كثر الكلام حول تفسيره بين القدماء والمحدثين دون حسم.


- كتابه: "من القضايا الكبرى في القراءات القرآنية" الذى وفّقه الله فيه – كذلك- إلى حل بعض المشكلات العويصة، مثل: نزول القرآن بلغة قريش، والفرق بين القرآن والقراءات، وغيرهما.


- ثم كان درّة نتاجه العلمي الفذ: "المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم" الذي صدر في أربعة مجلدات كبيرة. وهو المعجم الذي أصّل فيه لغويًا لمعاني ألفاظ التنزيل العزيز، تأصيلاً علميًا رصينًا مكينًا. وقد غدا هذا المعجم منذ ظهوره – وقد نفدت منه طبعتان- حديث العلماء في الشرق والغرب، واعتمدته بعض المؤسسات العلمية المرجع اللغوي الأول لتفسير مفردات القرآن الكريم. وبهذا المعجم – فضلاً عن التأصيل لمعاني هذه المفردات – إضافات جِدّ نفيسة في مجال فقه اللغة.


وللعلاّمة الجليل مؤلفات أخرى غير المذكورة (دفاع عن القرآن الكريم- التقاء الساكنين في القراءات القرآنية- الاحتجاج بالشعر في اللغة- الموجز في علم الدلالة... وغيرها). كما أنه خلّف خمسة كتب لم تطبع بعد، ولكنها معدة إعدادًا نهائيًا لذلك. وتتميز هذه المؤلفات، في مجملها، بالأصالة التي جعلها شعارًا لمؤلفاته (حيّ على الأصالة)، وباقتفاء المنهجية العلمية الصارمة، وبالموسوعية، والعقلية الناقدة التي شربت علوم الأزهر الشريف الأصيلة، وتمثلتها، وغذتها بالمعرفة الفلسفية المنطقية التي تأتت له من الدراسة بكلية الآداب.


هذا إلى الإخلاص والتقوى التي أوصلته إلى مرتبة"الولاية"؛ مما أثمر – في نهاية المطاف- نتاجًا علميًا بالغ النفاسة، سيظل- بتوفيق الله تعالى ورضاه- حيًّا غضًّا، بأصالته وإضافاته الوافرة من ناحية، وبتعلقه بالتنزيل الخالد من ناحية أخرى.


أخلاقــــه:


وأما أخلاقه ودينه- رحمه الله- فقد كان آية من آيات الالتزام بشرعه تعالى، وسنة نبيه الأكرم: شاب نشأ في عبادة الله، ثم قضى عمره كله: إما قارئًا، أو مؤلفًا، أو معلَّمًا، أو عابدًا، أو واصلاً للرحم، أو زائرًا لآل بيت النبي الأكرم، وأولياء الله الصالحين، أو مشتغلاً بغير ذلك مما هو من باب العلم، أو العبادة بمفهومها العام، حتى بلغ مرتبة "الولاية"، كما شهد له بها من عرفوه هنا، أو هناك. هذا، إلى نفس زكية، وبديهة حاضرة، وروح هاشة باشة، ودعابة لا إفحاش فيها.


وقد أزكى ذلك كلّه تصوّفه السنيّ الذي شربه من والده، ثم من العهد الصوفي الجودي النقشبندي الذي أخذه من العارف بالله العلاّمة الوليّ التقي أ. د. جودة أبو اليزيد المهدي (رفع الله درجاته في عليين، وكان أستاذًا لعلوم القرآن، وعميدًا لكلية القرآن الكريم، ثم نائبًا لرئيس جامعة الأزهر الشريف)، وذلك تصديقًا لرؤيا رآها، لتدوم علاقتهما ومحبتهما في الله، وفي الطريقة، ما يربو عن ثلاثين عامًا.


وأما كراماته، ورؤاه الصالحة، وما رآه الآخرون بحقه، فذلك مما ندعو العليّ الأعلى أن يفسح لنا من الوقت والجهد، ما يكفي لنعرض له- ولسائر جوانب سيرته الشخصية والعلمية- في عمل علمي كبير يليق بمكانته.


رحم الله العلاّمة التقي النقي النقشبندي أ. د. محمد حسن جبل، وتقبَّل جهوده الفذّة في خدمة اللغة الشريفة، والوحي الأقدس، كأحسن ما يتقبل من عباده من العلماء العاملين، المخلِصين المخلَصين، ورفع درجاته في عليين، وأدام النفع بعلمه وولايته إلى يوم الدين... اللهم آمين.


وفاته:


انتقل إلى جوار ربه الأكرم، راضيًا مرضيًا، العارف بالله العلامة اللغوي، المالكى النقشبندي أ.د. محمد حسن جبل، الأستاذ المتفرغ بكلية القرآن الكريم بطنطا، والعميد الأسبق لكلية اللغة العربية بالمنصورة. وذلك في مغرب يوم الثلاثاء الموافق 24/3/2015م. ودُفن إلى جوار مسجده الواقع بقرية "منشأة الأوقاف" المجاورة لمدينة طنطا المباركة، التي قضى فيها جلّ عمره المبارك، مجاورًا ومحبًا لسيدي أحمد البدوي، رضي الله تعالى عنه.


كتبه أ.د. عبد الكريم محمد حسن جبل


رئيس قسم اللغة العربية كلية الآداب – جامعة طنطا


رثاء الشيخ:


رثاء شيخ اللغويين وإمام النحويين فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد حسن حسن جبل


نظمه الأستاذ/ أسامة السيد عبيد حسين .


مضي شيخي إلي جنات ربــي *** تودعه القلوب بكــل حــب


حليـم عاش في كنف الكريم *** إلي الجنات يهفو كل قلـب


مطيع سابح في الذكر دوماً *** يبادر توبة من غير ذنــب


دواء المعضــلات إذا تحوم *** وحار الناس في شرق وغـرب


حوي من ضادنا جبــلا يفوح *** بمسك العلم في وعر ورحـب


سلوا عنه الأئمة يخبـروكم *** فشيخي عز عن يـد وضـــرب


نحا نحو الأئمة فاستقامـت *** له العلياء وازدانت بدرب


جمال النجم في أسمي سماء *** فقطب العابدين غدا كقطـب


بدا قمرا إذا ما جن ليـل *** وشمسا للوري في خير كتـب


له الجنات نرجوها ثوابـا *** وفي الجنات قربا بعد قرب


نظمه تلميذه المحب/أبو أنس أسامة السيد عبيد